الظاهرات الجيومورفولوجية في المناطق الجيرية الرطبة (مناطق الكارست)


الظاهرات الجيومورفولوجية 
في المناطق الجيرية الرطبة (مناطق الكارست)




تتميز بعض المناطق الجيرية في الجهات المطيرة بأشكال أرضية مثالية خاصة . ويرتبط تكوين هذه الأشكال ارتباطا وثيقا بما ينشأ عن عمليات الإذابة من توسيع الشقوق والفواصل والكسور ، ولابد أن يكون مستوى الماء الباطني أسفل السطح على عمق يسمح للمياه أن تتسرب باستمرار في العمق خلال الصخور وتسود هذه الأشكال مناطق خاصة من العالم أشهرها : منطقة الكارست Karst في غرب يوغوسلافيا ، وإقليم الكوس Causses في جنوب شرق الهضبة الوسطى بفرنسا ، وهضبة كنتاكي في الولايات المتحدة ، وشبه جزيرة يوكاتان بأمريكا الوسطى ، ومنطقة البنين بإنجلترا . وفيما يلي وصف مجمل لأهم ظاهرات الكارست شكل 12 .








1- الأسطح الجيرية المضرسة :-

وتطلق عليها في عدة لغات أسماء محلية هي (Begaz,Karren,Schratten,Raseses,Lapies,Grykes,Clints) 
تبدو الأسطح الجيرية مقطعة مهلهلة وعرة ، ومرصعة بالثقوب والخطوط الغائرة وذلك كله نتيجة لعدم انتظام الفعل المذيب للمياه الحامضية . وتتمثل هذه الظاهرات أحسن تمثيل في منطقة الحجر الجيري الكربوني في يوركشير ، وفي أجزاء من أيرلندا ومنطقة الكوس الجيرية بفرنسا و الكارست والجزء الجنوبي من مالطة وهي تظهر عادة فوق مخارج الصخور المكشوفة ، وتؤثر في تشكيلها عدة عوامل منها تركيب الصخور ونسيجه ومظهره ، وانحدار السطح ، والغطاء النباتي . ويقل وجودها فوق الطبقات الصخرية الأفقية .

2- البالوعات :-

ويكثر وجودها في إقليم الكارست ، وتنشأ نتيجة لتسرب مياه الأمطار في الصخور من خلال الفواصل . وعند مواضع معينه ، كمواضع تقاطع الفواصل ، يسهل عمل الإذابة التي تحولها بالتدريج إلى ثقوب أو حفر ويتوقف شكل الحفر على المميزات التركيبية الثانوية الصخور .

وقد أمكن تمييز نوعين رئيسين من حفر الإذابة أو البالوعات ، نوع يتمثل في منخفضات قمعية الشكل في وسطها ثقب وتعرف بأسماء محلية مختلفة هي :- Swallet,Gwallohole,Sinkhole,Creux,Sotchdolline ، والنوع الثاني يتمثل في حفر رأسية الجوانب تشبه البئر ، وتدعى بأسماء محلية هي :- Gouffre,Avens,Ponor,Puits ، وباستمرار فعل الإذابة ، تتسع هذه الحفرة بالتدريج ، وقد تتلاحم وتندمج في بعض المناطق مكونه لحفر أكبر تعرف بحفر الإذابة المركبة أو أوفالا Uvala .

وهناك نوع آخر من البالوعات كبير الحجم يعرف في يوغسلافيا باسم بولجي Polje ويطلق هذا الاسم على المنخفضات المستطيلة المنبسطة القاع ، التي تحيط بها حوائط شديدة الانحدار . ويبدو أنها لم تنشأ عن طريق الإذابة ، و إنما هي منخفضات تكتونية جرى تعديل شكلها عن طريق إذابة الصخور الجيرية التي تدخل في تركيبها . ويوجد العديد من أمثلة البالوعات بأنواعها في مناطق الصخور الجيرية بمرتفعات منديب Mendip ، والبناين والكومي والجوا و البرانس و الألب الأمامية ، والكارست . وقد أمكن حصر 60 ألف بالوعة في هضبة كنتاكي Kentucky بالولايات المتحدة .

3- الكهوف :-

وهي دهاليز طبيعية تمتد أسفل السطح امتدادا أفقيا ورأسيا ، وتنشأ عن حركة المياه خلال الفواصل والشقوق وسطوح الانفصال الطبقي مذيبة للجير . ويعظم فعل المياه حينما تغزر الأمطار مكونة لانهار باطنية تعمل على توسيع الفواصل وسطوح الانفصال الطبقي بواسطة الإذابة والنحت مكونة للكهوف الضخمة . مثال ذلك كهف كارلس باد Carlsbad (نيومكسيكو) الذي يبلغ طوله 4000م ، واتساعه 600م ، وارتفاعه 300م .

وقد تم تكوين عدد كبير من الكهوف الكبيرة أثناء عصر البلايوستوسين ، وبعضها الآن جاف بسبب انخفاض منسوب الماء الباطني . ومن أمثلة الكهوف في محيطنا العربي مغارة جعيطة بلبنان ، وكهف الجبخ بسهل بنغازي .

ومن الكهوف ما هو عميق ، فلكي تصل إلى كهف سان مارتين الواقع في أعلى جبال البرانس بالقرب من الحدود الأسبانية ، تدلف إليه عن طريق مدخل رأسي يصل عمقه إلى نحو 300م . وأعمق كهوف فرنسا هو الكهف المعروف باسم "بئر الراعي" PuitsBerger بمقاطعة ايزير Izere ، ويقع على عمق 1000م ، ويقال أنه أعمق كهوف العالم .

ومن الظاهرات التي توجد بالكهوف ما يعرف باسم الأعمدة الجيرية الهابطة Stalactite والأعمدة الجيرية الصاعدة Stalagmite ، وتنشأ عن ترسيب كربونات الكالسيوم في أسقف الكهوف وعلى قيعانها ، فوق نقط متعامدة على مستوى الكهف ، ويحدث الترسيب في الحالة الأولى من نقط مائية تنز من الشقوق والفواصل الموجودة في السقف ، حين يجف الماء بسبب التبخر أو بسبب انطلاق بعض من ثاني أوكسيد الكربون الموجود في النقط المائية ، فتنفصل لذلك الكربونات من محلول البيكربونات ويترسب الجير . وباستمرار حدوث الترسيب تنمو الأعمدة الهابطة نزلا إلى قاع الكهف .

ويتساقط كثير من النقط المائية من السقف إلى قاع الكهف حيث تجف ، ويترسب محتواها الجيري ، وينمو بذلك العمود الصاعد من قاع الكهف إلى سقفه . ويحدث أن يطول أحدهما أو كلاهما أو قد يلتقيان ، فيرتبط السقف بالقاع بواسطة عمود متصل (شكل 13) وبعض هذه الأعمدة ذو حجم كبير . شكل 13 .



ففي كهف لوزير Lozere (اسم الكهف Avens d'Armande ) بهضبة فرنسا الوسطى ، يتراوح ارتفاع الأعمدة بين 200-215م ، وتدعى بالغابة العذراء . وقد قيس معدل نمو الأعمدة الهابطة في بعض كهوف إنجلترا ، فوجد أنه يصل الى7 ملم في السنة أو حوالي 70سم كل 100سنة . ويبدو أن معدل النمو كان أسرع فيما مضى ، حينما كان مستوى الماء الباطني أعلى منه حاليا ، وكانت المياه العسرة المتجولة في الصخور أوفر .

ويوجد بالكهف ما يعرف باسم Helictite ، وهي رسوبيات متبلورة ذات أشكال كثيرة التنوع ، وهي قد تكون رفيعة كالخيط ، وتنتظم في هيئة مغزلية ، أو في شكل عقد و أنشوطات ، وقد تترتب في حبال منظومة من الحبات الجيرية المتبلورة .





4- المجاري المائية الباطنية :-

يصبح التصريف المائي في المناطق التي تتركب من صخور كربونية منفذة في معظمة باطنيا . ففي الصخور الطباشيرية والجيرية التي تتميز بنفاذية عالية ، والتي تحوى عديدا من الفواصل المتقاربة ، بتسرب ماء المطر ، ويأخذ طريقه بسرعة إلى الأعماق محللا ومذيبا لكربونات الكالسيوم ، وقد قدر أن كل ميل مربع من الأراضي الطباشيرية بإنجلترا يفقد 140 طنا من مواده كل سنة بواسطة عملية الكربنة . ويرجع السبب في جريان الأنهار سطحيا فوق الصخور الطباشيرية إلى ارتفاع مستوى الماء الباطني إلى السطح معظم السنة . وقد تفيض مياه هذه الأنهار وتختفي في البالوعات الموجودة في قيعانها حينما تصيب المنطقة موجة جفاف . ومثالها نهر بروك بإنجلترا ، وهو رافد علوي لنهر كولن Colne الذي تتسرب مياهه خلال سلسلة من البالوعات في قاعة في هضبة كنتاكي الجيرية بالولايات المتحدة أمكن اكتشاف خمس مستويات من الكهوف الباطنية على امتداد نحو 240 كم مربع ووجد أن المستوى السفلي منها على عمق 100م يشغله نهر باطني يعرف باسم "نهر الصدي" Echo River الذي ينصرف إلى "النهر الأخضر"Green River ، والأخير رافد لنهر أوهايو Ohio .

هذا وقد أمكن اكتشاف نهرين باطنيين في سهل بنغازي الجيري التركيب أحدهما يمتد من حضيض حافة الجبل الأخضر عبر بلدة بنينة ، وكهف الليثي إلى مدينة بنغازي ، والآخر إلى الشمال منه بنحو 6 كم ويوازية ، ويمر بمنطقة الكويفية حيث ينكشف في قاع عدة بالوعات ، وينتهي في بحيرة ساحلية هي "عين زيانة" .

5- الاودية الجافة :-

يعتبر وجود الأودية الجافة صفة من صفات الأقاليم الطباشرية والجيرية الرطبة . وفي المناطق الطباشيرية تبدو الأودية الجافة على ظهور الكويستات مكونه لنمط يذكرنا بنمط النظم النهرية العادية . ويظهر كثير منها مميزات مماثلة للأودية التي تجري بها الأنهار مثل منعطفات الشباب ، ونقط التلاقي المتوافقة للروافد بالأودية الرئيسية ، والمنعطفات المنحوتة . كما نجد قيعانها مفروشة دائما بالرواسب النهرية . ومع هذا فهناك من الأودية الطباشيرية ما يحيد عن هذه الخصائص ، فالأودية التي تقطع الحافات الصخرية ، قد نحرتها إلى عمق غير عادي ، وتتسم جوانبها بشدة الانحدار ، وحينما تشاهدها من الجو تراها متتبعة لمسالك غريبة شاذة ، كثيرة التعرج . ومثالها وادي الديفلزدايك Devil's Slived قرب برايتون Brighton بجنوب انجلترا ولقد تعددت الآراء في تفسير أصل وكيفية نشأة هذه الأودية الجافة . ولعل الآمر الذي لا خلاف عليه هو أنها قد نحتت تحت تأثير ظروف خاصة من التصريف المائي لم يعد لها وجود في وقتنا الحاضر .

ويفسر البعض تكوينها عن طريق الهبوط التدريجي لمستوى الماء الباطني الذي لم تستطع المجاري المائية أن تجارية . ويبدو أن عمليه التقويض الينبوعي Spring-Sapping . قد لعبت دورا هاما في نحر هذا النوع من الأودية . ويزخر كثير من هذه الأودية بالنيابيع التي وإن كانت ضعيفة ، إلا أن تأثيرها التحاتي لا ينكر . وتوجد الينابيع في مجاريها الدنيا على الخصوص . يضاف إلى هذا أن نظرية التقويض الينبوعي تقدم أفضل تفسير لشدة انحدار رؤوس الأودية الذي يبدو ناشئا عن عملية التقويض السفلي Under-mining كما تفسر التعرجات الحادة التي تتصف بها مسالك الأودية ، والتي تعزى إلى التقويض التراجعي للينابيع على امتداد خطوط ضعف محددة كالفواصل الرئيسية المتقاطعة .

هذا ويشيع وجود الأودية الجافة في المناطق التي تتركب من صخور جيرية . ويعزى تكوين بعض منها إلى التعرية السطحية ، أثناء جليد الزمن الرابع أو بعده مباشرة حينما كانت الفواصل بالصخور مملوءة أما بالجليد أو بالصلصال الجلاميدي ، ومن ثم كانت الأنهار تجري على السطح . وتظهر هذه الأودية كثيرا من صفات التعرية النهرية العادية ، وتعترضها "شلالات جافة" ، تعبرها المياه المتدفقة عقب سقوط أمطار غزيرة . وتوجد متجهة إلى أدنى الأودية . نظراً لان البالوعات لا تتمكن من ابتلاع كل المياه السريعة التدفق . وهناك أمثلة الأودية تجري بها المياه في صخور جيرية لكن أحجامها تضمحل بالاتجاه نحو أدانيها ، وقد تتلاشى كلية ، ومثلها وادي Gordale Beck في اقليم Malham ، ومن الأودية ما تجرى به المياه في البداية حين يقطع منطقة جبرية ، ثم ما يلبث أن يعبرها إلى تكوينات صخرية صماء فيزداد حجمه وتكثر مياهه .

ويتميز كثير من الاودية الخانقية الجافة في المناطق الجيرية بمقطعة الخانقي ، فتبدو الجوانب شديدة الانحدار ، ومنها أودية الجبل الأخضر بليبيا كوادي القطاره الذي ينتهي إلى بنغازي ، ووادي درنة الذي يصب عند مدينة درنة .

وهى وأمثالها قد تكونت أصلا أثناء عصر البلايوستوسين ، حينما كانت الأمطار غزيرة ، ومنسوب البحر منخفضا والنحت الرأسي على أشده . 
ومن الأودية الجافة الخانقية في المناطق الجيرية ما نشأ عن تعرية كهوف باطنية بواسطة مجاري مائية باطنية تبعا لانهيار سقوف تلك الكهوف وكثير ما نجد أقواسا طبيعية تمثل البقية الباقية من تلك السقوف المنهارة ومن أمثلتها الشهيرة قوس ماربل Marbel Arch على نهر كلاداج Cladagh في شمال ايرلندا .

منقول من 
http://www.smsec.com/ar/encyc/earthforms/4/f8.htm

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خرائط كنتورية مفيدة للجميع